لم يكن بارًا بوالديه، ولم يكن يأتي علي ذكرهما أبدًا، كان يكره الحديث عن قريته التي أنجبته 'كفر المصيلحة'، وتعمد طيلة فترة رئاسته بل وقبلها أن يتجاهل أهلها البسطاء، وان يرفض تقديم أية ميزة لها، مازالت شوارعها وخدماتها متردية مقارنة بغيرها من المناطق والقري.
لقد ولد حسني مبارك في كفر المصيلحة، وأمضي دراسته الابتدائية في مدرسة المساعي الحميدة، وقضي سنوات عمره وشبابه بها، ولم يتركها إلا بعد أن غادرها للالتحاق بالكلية الجوية.
بعد زواجه من سوزان صالح ثابت في الخمسينيات، قطع علاقاته مع الأهل والقرية علي السواء، وأغلق الباب علي نفسه.
غير أن الأغرب من كل ذلك انه كان يرفض مقابلة والده أو استقباله أو حتي زيارته، بل إن الكثيرين من أصدقائه أصابتهم الصدمة عندما أبلغوه في وحدته العسكرية ان والده موجود باستعلامات الوحدة ويريد مقابلته، ساعتها رد عليهم حسني مبارك 'قولوا له أنا موش فاضي وبلاش ييجي تاني هنا، أنا حبقه أروح له'.
كانت الصدمة عاتية علي الأب الذي اعتراه المرض في هذا الوقت بعد أن وجد نكرانًا وجحودًا من ابنه الذي بذل كل غال ورخيص من أجل تربيته وتعليمه.
وقد ظل حسني مبارك يسيء التعامل مع والده حتي رحيله، وحتي عندما رحل فقد رفض دفنه في مقبرة بكفر المصيلحة، بل تم دفنه في أحد المقابر المجهولة بالقاهرة، ذلك ان مبارك لم يكن يملك مقبرة في مصر، ورفض دفنه في قريته.
ويوم رحيل حفيده محمد علاء ظل حائرًا لفترة من الوقت إلي أن تم دفنه في مقبرة يمتلكها جده مجدي راسخ، فقام مبارك بعد ذلك ببناء مقبرة فخمة في إحدي مناطق مدينة نصر بعد أن أيقن أن الموت لن يستثني أحدًا!!
لقد قيل إن والده مات غاضبًا عليه، بعد أن شعر أن نجله يسيء التعامل معه، بل و'يستعر منه' ويرفض استقباله أو حتي الإتيان علي ذكر اسمه.
أما السيدة والدته فيحكي المقربون منه انه كان قد تم حجزها في أحد المستشفيات بالقاهرة لإصابتها بالمرض غير أنه رفض زيارتها بالمستشفي، وعندما طلبت رؤيته ارسل لها برسالة تقول: 'أنا موش فاضي واللي انت عاوزاه حيوصلك'.
وقد ظلت أمه غاضبة عليه حتي رحيلها..
ولم يكن الرئيس الراحل ودودًا مع أشقائه، فشقيقه المهندس سامي مبارك رحمة الله عليه كان يشكو لي شخصيًا من ظلم شقيقه له وللأسرة، وكان يقول دومًا ان سوزان تحرضه، ولكن هو بالأساس يكره الأسرة والكل غاضب عليه.
وكان مبارك يرفض حضور أفراح أبناء أشقائه، وكانت علاقته فقط تنحصر مع شقيقته سامية التي توفيت منذ فترة من الوقت.
لقد خرج اللواء محمد حسني مبارك ابن عم الرئيس السابق مؤخرًا ليؤكد ان الرئيس السابق قطع علاقته مع أهالي قريته ومع أسرته منذ فترة طويلة، ولم يكن في ذلك يبالغ انما كان يجسد واقعًا حقيقيَا عاشه كشاهد عيان علي مدي عقود طويلة من الزمن.
ان أحدًا لم يكن يطلب من مبارك ان يميز أفرادًا في المجتمع عن آخرين، ولكن هذه المشاعر الجافة والجحود للوالدين وللعائلة هو أمر كان لصيقًا به منذ ان غادر كفر المصيلحة إلي القاهرة وتزايدت هذه المشاعر بعد أن تولي منصب نائب رئيس الجمهورية، ثم رئاسة الجمهورية بعد ذلك.
لقد انقلبت حياة حسني مبارك وأسرته من النقيض إلي النقيض، وأصبح الجميع موضع اتهام وتم وصمهم في الصحافة ووسائل الإعلام بأبشع الاتهامات، وربما يكون غضب الوالدين من جرّاء سلوكه معهما ومع أشقائه وأسرته كان له كبير الأثر في هذه الأزمة التي يتحمل هو قبل غيره المسئولية عنها.